27 - 07 - 2024

كلام والسلام | الديكتاتور .. عاريا

كلام والسلام | الديكتاتور .. عاريا

الديكتاتور .. يعيش على خوف شعبه !

يحكى أنه كان يوجد في قديم الزمان ملك عظيم مولعًا بالثياب الجديدة والفاخرة ؛ ذهب إليه اثنان من المحتالين وقالا له : أيها الملك ما رأيك في أن نصمم لك ثيابًا فاخرة لا يراها الأغبياء ؛ ويراها الأذكياء فقط . فأعجب الملك بالفكرة جدًا ووافق عليها بكل سرور؛ وهو لا يعرف أن هذين لصان يخدعانه.

ذهب الملك إلى القصر وأخبر حاشيته بذلك، وبعد مرور بضعة أيام أمر أحد الوزراء أن يذهب إلى بيت هذين النساجين؛ ليستطلع ما إن قاما بالانتهاء من عمل الثياب الخاصة بالملك المخدوع أم لا؟ وعندما وصل الوزير لبيت المخادعين ؛ وجدهما يلعبان ولا يفعلان شيئًا ؛ ولا يرى أي ثياب . فتعجب وقال لهما : أين ثياب الملك ؟ فرد عليه أحد المخادعين قائلًا : إنها أمامك ألا تراها! فوقف الوزير لوهلة مصدومًا ؛ وخاف أن ينعتاه بالغباء ويحدثا الملك بذلك ، فقال لهم: ما هذا الجمال والتناسق المميز للألوان !

غادر الوزير منزل المخادعين، وعاد إلى الملك ممتدحًا الثياب ؛ وأخبره أنها تحتاج إلى بعض الوقت ليتم الانتهاء منها. وبعد مرور بضعة أيام أخرى؛ أرسل الملك أحد الوزراء غير الذي ذهب بالمرة الأولى ، وبعد أن ذهب وعاد إلى الملك ؛ فعل مثل صاحبه وقام بامتداح الثياب؛ مما زاد شوق الملك لرؤية هذه الثياب !

وبعد مرور يومين ذهب النساجان المخادعان إلى الملك وأخبراه أن ثيابه أصبحت جاهزة؛ وأنها خفيفة جدًا وستشعر بأنك لا تلبس شيئًا بسبب خفتها ! 

بدأ النساجان يجردان الملك من ثيابه قطعة قطعة حتى وصلا  إلى ملابسه الداخلية ؛ وقاما بإلباسه الثياب الوهمية. نظر الملك إلى نفسه ؛ فوجد أنه لم يلبس سوى ملابسه الداخلية؛ فخاف أن يقول أنه لم يلبس شيئًا ؛ حتى لا يرميه الناس بالغباء !

وقف الملك في وسط حاشيته ونظر لأحد وزرائه وسأله عن رأيه ؛ فخاف أن يخبره بأنه لا يلبس شيئًا؛ فيظن أنه غبي ، بل قام بنفاق بامتداح الملك وأعرب عن إعجابه الشديد بجمال ثيابه !

 ثم نظر الملك إلى كبير الوزراء الذي كان متضايقًا من منظر الملك وهو عار ؛ وسأله عن رأيه فخاف هو الآخر أن يخبره بالحقيقة ؛ وقام بامتداح ثيابه الوهمية !

فرح الملك كثيرًا وصرف مكافأة ذهبية للمخادعين اللذين فرا في الحال خارج البلاد بعد استلام المكافأة ! أما الملك فقام باستدعاء عربة مكشوفة ليركبها ويمشي بين شعبه .

 رآه الناس وأصيبوا بالذهول .. فالملك عاريًا ولكن أحدهم كان قد أذاع خبرا بأن الملك يلبس ثيابا ولا يراها الغبي !

خاف الناس أن يظهروا بالغباء أمام الملك؛ وقاموا بامتداحه وأظهروا إعجابهم الشديد بثيابه ؛ وقاموا يهتفون ويهللون بإعجابهم بملابس الملك الوهمية !

وظل الملك يتحرك بالعربة المكشوفة والناس تعلوا أصواتهم: يحيا الملك .. يعيش الملك. وظل الوضع هكذا حتى رأه طفل صغير  وهو عارٍ فصعد إلى أعلى مكان ؛ وقال بأعلى صوته: الملك عاري .. الملك عاري . وظل يردد ذلك حتى انتبه له الناس ؛ وسكت الجميع في وسط من الذهول من جرأة الطفل الصغير ؛ وقاموا يرددون مع الطفل : الملك عاري .. الملك عاري ؟!

ومنذ نحو القرن .. عرفت مصر الديكتاتور اسماعيل صدقى .

فقد قرر مصطفى النحاس زعيم الأمة وقتها وزعيم الوفد وزعيم المعارضة ؛ أن يخطب فى مؤتمر حاشد فى طنطا . وركب القطار مع مرافقيه من محطة القاهرة ؛ ومر توقيت تحرك القطار ولم يتحرك ؛ ثم مرت ساعة وراء ساعة، والوفد جالس فى القطار والقطار لا يتحرك ، وعندما بحثوا عن السبب ؛ اكتشفوا أن إسماعيل صدقى كان قد أمر بفصل القاطرة عن القطار، حتى لا يتحرك ولا يذهب النحاس إلى طنطا، وعندما سألوه عن ذلك قال : خفت عليكم من حوادث القطارات ! ! 

والغريب .. انه رغم ان الديكتاتور مثل الملك (رغم جبروته وسطوته وبطشه ) ؛ يسير وسط شعبه عاريا ؛ إلا أنه لايقرأ فى الغالب .. تاريخا كتب !

 فهو يقمع حرية التعبير وحقوق الإنسان والأقليات ، ويعتمد القمع والترهيب لمنع أي صوت يعارضه . 

 وهو يسعي الى السلطة المطلقة وتقوية سلطته دون  قيود .

 وهو يسعى إلى الاستمرار في السلطة بأي وسيلة . 

 وهو يعشق التحكم في حياة الناس ؛ واتخاذ القرارات بشكل مطلق .

 وهو يسعى إلى التحكم في وسائل الإعلام وتوجيهها بما يخدم مصالحه السياسية، ويقوم بترويج الدعاية والتضليل الإعلامي .. على طريقة جوبلز !

اما شعبه ..

فمنه .. من يؤيده على طريقتين .. الأولى : من جاور السعيد يسعد . وهؤلاء من الأكلين من كل الموائد ؛ ويرضون بفتات الديكتاتور وسلطته وحمايته . 

ورغم مايبدو عليه هؤلاء من رغد العيش وبحبوحة الحياة ؛ الا أن هناك هاجسا يراودهم وكابوسا يطاردهم ؛ ماذا لو رحل الديكتاتور ؟!

والثانية : ان لم تستطع هزيمتهم انضم اليهم. ومعظم هؤلاء من المناضلين القدامى المزيفين ومن رواد المقاهى والبارات ؛ لارأى لهم ولا مبدأ ؛ اللهم إلا أبجنى تجدنى .

ومنه .. الأغلبية من لاحول لهم ولاقوة ؛ يمشون جنب الحيط واحيانا داخلها كافين خيرهم شرهم ؛ واللهم احمنا من بطش الزعيم !

ومنه .. القابضون على جمر النار يدخلون السجون كعب داير فى انتظار فجر قد لا يجيء ابدا ؛ وقد يفنون من أجله حياتهم وراء القضبان .

والغريب .. ان كل هؤلاء ينتظرون بأحر من الجمر رحيل الديكتاتور وظهور طفل الملك عاريا ؛ ليعريه أمامهم كما ولدته أمه !
----------------------------
بقلم : خالد حمزة


مقالات اخرى للكاتب

كلام والسلام| الفشل في مصر .. حاجة تانية